بقلم مختار الزريبي
يظل هدف الاستثمار في جوهره جني الثمار والربح …ولئن اعتبرنا هذا التعريف البسيط موضغ اتفاق لا خلاف حوله فاننا نختلف الاختلاف كله حول ادوار الاطراف المتداخلة في عملية الاستثمار في التنمية بابعادها المحلية والجهوية والوطنية واليات تحقيقها
ويتحول السؤال اشكالا حارقا ونحن نقاربه في اطار مشروع اللامركزية وقد انخرطت فيه بلادنا منذ 2018، وهو مشروع يفترض ان يمتد على مدى 27 عاما اي الى حدود 2045 تقسم الى ثلاث مراحل للتقييم والتقويم.
واذا كان الامر محسوما دستوريا و”اداريا ” فان المسالة لم تحسم بعد سياسيا باعتبار منوال التنمية الذي تنتهجه الحكومات منذ 2011، حتى ملامح الحكومة القادمة تبدو منخرطة في ذات المنوال الاقتصادي والاجتماعي، ولعل مقاربة هذه الحكومات المتعاقبة في مجال الاستثمار في الجهات الداخلية نموذجا خير دليل.
كثر الحديث ولا يزال حول الاستثمار في الجهات الداخلية في مستوياتها المحلية والجهوية والوطنية واعتبار التنمية المستدامة حقا مواطنيا من شانه ان يقلص الهوة الفاصلة بين “شريط ساحلي” تمحورت حوله التنمية منذ الاستقلال و” شريط داخلي” مهمش، و قد كشفت الثمانية اعوام الاخيرة عمق التفاوت بين الداخل والساحل وان كان الساحل بدوره يشكو في بعض محلياته ذات الخلل، وعلى هذا الاساس لم يكن خيار اللامركزية بعد الثورة مجرد شعار بل كان ضرورة ملحة لترسيح بضع ملامح العدالة الاجتماعية .
والطريف ان الخيارات السياسية المتعاقبة طالما تبنت هذه الرؤيا ولكنها تنتهج منوالا تنمويا يلغي ابسط شروط التنمية المنشودة، ابرزها المواطنة والمقاربة التشاركية في رؤيا وطنية موحدة مركزية تجمع بين المحلي والجهوي والوطني في تفاعل جدلي متكامل.
واعتمادا على هذا كله تطرح مفقاربة الاستثمار في المناطق الداخلية حقا مواطنيا تشاركيا مستداما تكون فيه التنمية المحلية حجر الزاوية، تتحقق باعتبار المواطن صاحب الشان في اختيار المشاريع، تسنده في ذلك الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومصادر التمويل.
وهذا يعني فيما يعني ان تتحمل الاطراف المحلية والجهوية مسؤرليتها تخطيطا وانجازا ومرافقة ومتابعة وتقييما ..فلا مجال لفرض خيارات مركزية لا تحترم قوانين ونواميس العمل المواطني التشاركي.
وعلى هذا الاساس يكون الاستثنمار شانا محليا في سياق مقاربة وطنية شاملة، وبالتالي يصبح من الضروري ان تكون للمحليات وللجهات مواردها البشرية والمالية، وهي مهمة شاقة امامنا 27 عاما لتحقيقها ان التزمنا بخيارنا الذي اانخرطنا فيه منذ 2018.
ولكن المؤشرات تسير في تكريس الموجود اذا اعتبرنا ضرورة ان يكون للاستثمار المحلي والجهوي دور مركزي في التنمية المستدامة، ذلك ان الحديث عن ضرورة الاستثمار في المناطق الداخلية سيظل منحصرا في البحث عن مصادر تمويل تعجز الجهات المعنية عن توفيرها لغيابها بسبب التهميش السابق من ناحية والتعويل على جلب مصادر تمويل باي ثمن من ناحية اخرى.
وان كان لهذا الخيار ما يبرره عاجلا فان الخوف كل الخوف ان يتم اجهاض تجربة التنمية المستدامة في تلك الجهات التي ستظل في تبعية اقتصادية.
ان الاشكال قائم لا محالة، ولكن بالامكان تجاوز عقباته بمقاربة تجمع بين حق الجهات في التمويل عبر التمييز الايجابي وحقها في المرافقة حتى تتدرب وتكون لها القدرة على تجاوز ثقافة التواكل على الاخر و تتحمل مسؤوليتها التنموية
هذا بالاضافة الى ضرورة فتح المجال لمشاريع محلية صغرى في تمويلها و نوعية في بعدها الاقتصادي والاجتماعي ..ولنا في المشاريع السياحية البديلة التي اختارها بعض متساكني الجهة في سليانة خير نموذج تصورا سياحيا وتمويلا ي بسيطا وقدرة تنافسية كبيرة مستقبلا … ولكن مشكل هذه المحاولات يعود بالاساس الى غياب تصور جمعي محلي وجهوي للتنمية المستدامة مقابل سيطرة تشريعات سابقة لم ترتق الى رهانات التنمية التي ننشدها حميعا ..وعلى هذا الاساس كنا قد قدمنا مقاربتنا للتنمية المستدامة بجهة سليانة 2018 / 2045 .