يُطالب صندوق النقد الدولي منذ مدة بعدد من “الإصلاحات الهيكلية” في مجال المالية العمومية. وركز في هذا الإطار على ضرورة اعتماد مبدأ التناظر في الارتقاء الى المناصب الإدارية العليا لدعم الكفاءات سيما القادمة من الخارج وحفزها على القدوم إلى تونس عبر منحها رواتب عالية. وكانت ضربة البداية مع مديري البنوك العمومية الذين تذكر وزارة المالية أنهم معينون بالتناظر والذين يفوق معدل اجرهم شهريا 50 ألف دينار دون اعتبار الامتيازات العينية الأخرى علما أن الاجر الأدنى المضمون في تونس لا يتجاوز 410 دنانير…
وبينت، في هذا الصدد، امس الثلاثاء 29 سبتمبر 2020 حسناء بن سليمان الوزيرة المعتمدة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة ان الحكومة بصدد اعداد مشروع أمر حول التسميات في الوظائف المدنية العليا عن طريق التناظر قالت انه سيكون جاهزا قبل نهاية السنة وذلك في نفس السياق الذي كان قد تحدث فيه محمد عبو وزير الدولة السابق لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد يوم 17 جوان 2020 وأشار خلاله الى السعي لإعداد مرسوم قال انه سيصدر لتحديد طريقة تأجير الرؤساء المديرين العامين في القطاع العام.
واوضح عبو آنذاك أن اصلاح القطاع العام كأولوية قصوى يقتضي وفق تقديره أن يتم تحسين الوضعية المالية لكبار المسؤولين بغاية جلب الكفاءات والحفاظ عليها وايضا لمقاومة الفساد مع التأكيد على ان الاصلاح يقوم على ثلاثة محاور تتعلق بطريقة الاختيار او التعيين وعلى اعتماد عقد اهداف وايضا طريقة تأجير محفزة. واضاف ان نفس هذا التوجه سيتم اعتماده مع عدد من كبار الموظفين والإطارات العليا بالإدارة التونسية حتى يتم الحفاظ عليهم والانتفاع من خبراتهم.
ويبدو واضحا أن لهذا التمشي هدفين واضحين أولهما “تحسين” أوضاع كبار المسؤولين والذين تؤكد تقارير مؤسسات محلية ودراسات أعدتها جهات دولية ان تعيينهم يخضع حصريا لاعتبارات تقوم على المحسوبية والجهويات والمحاباة وثانيهما يتعلق بمزيد تعميق الفئوية والحيف في مجال الأجور في بلد أنهكه سوء التصرف والفساد الذي أصبح يشكل أهم مؤسسة فيه.
يذكر ان حسناء بن سليمان لم تنس في معرض حديثها عن أوضاع مسؤولي الإدارة الدعوة الى صبر التونسيين على بعضهم البعض وتقاسم التضحيات وهي من الشعارات التي ترفع تقريبا بشكل يومي من قبل كل المسؤولين وفي تونس سيما منذ 2011. كما لم يفتها أن تذكر بأن وضع المالية العمومية حرج جدا مع الدعوة الى النظر في وضعية الأجور والانتدابات.
غير أن الوزيرة نسيت ان رئيس حكومتها كان قد وقّع أسابيع معدودة بعد تقلده مهامه قرار صرف القسط الثالث من الزيادات في الأجور لنحو 700 ألف موظف بقيمة جملية تناهز 300 مليون دينار لينطلق بعد ذلك مباشرة في التفاوض مع اتحاد الشغل حول ادماج عمال الحضائر في الوظيفة العمومية وعددهم يفوق 130 ألف عامل، وتناهز كلفة ترسيمهم حوالي 500 مليون دينار مع إبداء موافقة مبدئية في هذا الخصوص، ليمر بعد ذلك الى النظر في تشغيل معتصمي الشركات البترولية بالكامور وقبلي ومن فاقت بطالتهم عشر سنوات بمقتضى قانون أقر، في الغرض. ولتتخذ الأوضاع، على هذا الصعيد، قمة سرياليتها بعدما ذهب رئيس الحكومة إلى حد حث الولاة على توفير مواطن شغل للعاطلين عن العمل على المستوى الجهوي !
المقال السابق