(وات/تحرير أميمة العرفاوي)- شهدت الغابات التونسية منذ ماي الفارط إلى غاية نهاية شهر أكتوبر المنقضي أكثر من 400 حريق تسبب في إتلاف أكثر من 25 ألف هكتار من المساحات الغابية بالبلاد التونسية في المقابل توزّعت هذه الحرائق بين مفتعلة وأخرى نتيجة موجة الحر الشديدة التي اجتاحت البلاد التونسية مما دفع إلى تسخير كل الإمكانيات المتاحة من قبل المصالح الجهوية للغابات و الحماية المدنية لمقاومة هذه الحرائق التي انتشرت خاصة في ولايات الشمال و الشمال الغربي.
ولاية سليانة إحدى ولايات الشمال الغربي التي عرفت في الصائفة الفارطة موجة من الحرائق إلا أنها تعد أقل مساحة غابات محروقة في الشمال الغربي وهي 110 هكتارا وفق أخر إحصائيات للإدارة العامة للغابات.
و بتجوالك في “سيسيليا” كما يطلق عليها زوارها تأسرك غابات الصنوبر الحلبي المترامية على ضفاف الطريق فيما تؤلمك مخلّفات الحرائق وغيرها من الجرائم الغابية الأخرى التي شوهت مخزونا نباتيا ثريّا واعتدت على ذاكرة وطنية لجبال شاهدة على معركة جبل برقو الشهيرة (معركة الربع الساعة الأخيرة)
فالأرض الغابية لايمكن أن تكون إلا غابة رغم تدخّل الإنسان ومحاولة التوسّع فيها عبر الحرائق المفتعلة وهي موضوع تحقيق من السلط الأمنية و القضائية. بعد إخماد الحرائق يظهر مستفيدون من سرقة الحطب والمتاجرة فيه وذلك بالإضافة إلى متحوّزين بملك الدولة الغابي و تحويل صبغته إلى أراض فلاحية تستنزف الثروة الغابية في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العام وتبقى الهياكل المعنية غير قادرة لوحدها على استرجاع العقار وإعادته إلى وضعيته الطبيعيةو يبقى المستفيدون دون عقاب.
على بعد حوالي 15 كم من معتمدية برقو، يحاول أحد متساكني منطقة العوامرية وهو شاب في مقتبل العمر الحصول على البعض من الحطب (مخلفات حريق نشب سنة 2017على ملك أحد المقاولين ممّن آلت “البتة” لصالحه من قبل المصالح المعنية) للهروب من شبح البطالة فيحملها على ظهر حماره في يوم مشمس ويكمل طريقه غير عابئ بما سيعترضه ليتفاجأ بدورية من أعوان ومعيني الغابات تولّوا تحرير محضر في الغرض في شأنه وفق ماعاينته صحفية (وات) بالجهة.
حال هذا الشاب كحال بعض متساكني المناطق الريفية الذين يسعون لتوفير مورد رزقها على حساب الملك الغابي بصفة غير قانونية عبر التوسّع في المساحات الغابية بغراسة الزياتين أوسرقة الحطب أو حتى التسبب في حرائق هائلة.
أما البعض الأخر فهو يسعى إلى كسب رزقه بصيغ قانونية، وبالقرب من منطقة العوامرية حيث شهد جبل “بوكحيل” (معتمدية برقو) سنة 2017 حريقا هائلا تسبب في إتلاف مساحات هامة من غابات الصنوبر،تحدث ممثل أحد المقاولات منصف حمزة (أصيل ولاية الكاف) بكل ثبات لـ(وات) أنه يمتهن قطع “الحطب” منذ 30 سنة تقريبا رغم أنها مهنة محفوفة بالمخاطر و قلة قليلة من يتقنها لصعوبتها ورغم ذلك فهو يشغل موسميا مايقارب 40 عاملا.
وذكر .أن الغابة “ثمرة” للجميع إذا تمت المحافظة عليها فتعم الاستفادة بعيدا عن كل المظاهر العشوائية التي تتسبّب في إتلاف الهكتارات منها وفق قوله
من جهته صرح رئيس الدائرة الجهوية للغابات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بولاية سليانة، المهندس الرئيس صبري الولاني، لــ(وات) أن حريق جبل بوكحيل من منطقة سيدي سعيد التابعة لمعتمدية برقو جدّ سنة 2017 وأتى على حوالي 800 هكتار، مبينا أن عمل أعوان ومعيني الغابات لا يقتصر على إطفاء الحريق و متابعته فقط بل يتدخّلون في ما بعد لحراسة المكان حتى لا تتمّ سرقة الحطب طيلة سنوات متتالية إلى حين تدخل المصالح المعنية وتأمينه و بيعه مضيفا، أن ذات المصالح تتابع أيضا عملية التجديد الطبيعي فيقومون بتخفيف الأشجار إلى حين بلوغها مراحلها الطبيعية قبل الحريق وقد تستغرق هذه العمليّة فترة طويلة في المقابل ومع غياب عملية التجديد الطبيعية ,تنطلق البتة لقطع الخشب أوعمليات التشجير الواسعة عن طريق المقاولات أو الحضائر لتساهم بذلك في تنمية الدورة الاقتصادية للمنطقة و توفير مواطن الشغل لأبنائها.
من جانبه أوضح كاهية مدير التراتيب والنزاعات الغابية، المهندس الرئيس بالإدارة العامة للغابات، الصحبي بالضياف في تصريحه لـ(وات) أن عدة مراحل تتبع عملية الحريق من استغلال الأشجار المحروقة عن طريق عملية مقنّنة ( تطبيق أحكام الفصل 18 من مجلة الغابات) أي تحول فريق عمل متكون من الإدارة العامة للغابات و وكالة استغلال الغابات و دائرة الغابات بسليانة لتقييم الأشجار التي شملتها الحريق و منه عرضها في بتة عمومية واثر استكمال إجراءات البيع و إبرام العقد يشرع المقاول في استغلال الأشجار المحروقة و هي أول مرحلة لتجدّد الغابة.
وقال بالضياف إن من بين أخطر المظاهر التي يمكن مشاهدتها في الملك الغابي على غرار قطع الأشجار, هي تغيير الصبغة ممّا يفقد الأرض الغابية كسائها أو تتحول إلى استعمالات أخرى ليصبح بذلك الملف شائكا و يختلف التعامل معه حيث أن الحريق التي شهدته منطقة الشبلة مؤخرا مجاور لقطعة أرض مزروعة زيتون وهي حيازة غير شرعية في ظروف معينة.
و أوضح أن الإدارة العامة للغابات قامت بالإجراءات اللازمة غير أن مجهودها لوحدها غير كاف مما يستوجب تضافر جهود كل الأطراف المتداخلة منها تنفيذ الأحكام و الحرص على إخلاء العقار حتى لا ينسج أشخاص آخرون على منوال ممّن سبقوهم في التوسّع على حساب الملك الغابي.
و ذكر بالضياف أن المصالح المذكورة تستعمل أحدث المعدات في إطار الانفتاح على التكنولوجيات الحديثة و تسهيل العمل ، من خلال نظام التموقع الجغرافي الذي يرتكز على أحدث التكنولوجيات المتعلقة بتحديد المواقع وباحتساب المساحات بطريقة دقيقة للتمكن من تحديد المساحات المحترقة بالإضافة إلى إرجاع علامات التحديد لملك الدولة الغابي لتأمينه.
و كشف المسؤول أن المساحة الغابية بالبلاد التونسية تمسح 1.2 مليون هكتار أغلبها مساحات تابعة لملك الدولة و نسبة ضئيلة جدا تابعة للخواص لافتا إلى أن الغابات التونسية هي غابات حمائية تتميز بتثبيت التربة وتخزين كمّيات من الكربون في خضم التغيرات المناخية
و تتوزع المساحات بنسبة هامة على مناطق الشمال والشمال الغربي أغلبها مساحات طبيعية إلى جانب غراسات جديدة تم إحداثها للترفيع في نسبة الكساء الغابي بنسبة 8.5 بالمائة ومن المنتظر بلوغ 12 بالمائة للاقتراب من المعدل المتوسطي للغابات ككساء غابي وفق قوله .
وبخصوص الإشكاليات التي تهدّد المساحات الغابية ,أوضح المتحدث ذاته أنها تشمل الحرائق والاعتداءات والتوسعات سواء العمرانية أو الفلاحية ويسجّل سنويا 4500 اعتداء بما في ذلك قطع أشجار و حرث و تغيير الصبغة و إزالة الكساء الغابي و تعويضه باستعمالات أخرى لتخسر الغابة سنويا حوالي 1500 هكتار جراء هذه الاعتداءات.
و أضاف أن المساحات المحترقة تتغير من سنة إلى أخرى حيث تراوحت خلال الصائفة الفارطة بين 15 ألف و 20 ألف هكتار دون احتساب المساحات المحروقة في المناطق العسكرية وهي تعتبر مساحات هامة مقارنة بالمساحات التي يتم تشجيرها سنويا وفق تعبيره.
وعن أهم استعمالات الخشب، قال إنها لتلبية حاجيات السوق المحلية لنجارة الخشب المستعملة في تربية الدواجن أو صنع اللوحات التي يستخدمها الصناعيون في نقل منتوجاتهم إلى جانب مردوديتها الاقتصادية حيث أن أخر بتة قدّرت مداخيلها ب7 ملايين دينار ممّا يبيّن الطلب الكبير على خشب الغابات التونسية.
و ذكر المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية بسليانة , منصف الهرمي في تصريح لصحفية (وات) بالجهة أن مصالح الغابات التابعة للمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالجهة تدخّلت خلال الصائفة الفارطة في 31 حريقا أي بمعدّل المساحات المحروقة 3.5 هكتار معتبرا بذلك المعدل مقبول ومن المنتظر تحسينه .
و بين أن معتمدية كسرى شهدت أكثر عدد من الحرائق حيث سجلت 12 حريقا فيما توزعت بقية الحرائق بين 7 بمعتمدية الكريب و 4 بمعتمدية سليانة الجنوبية و 3 بمعتمدية برقو و حريق بمعتمديتي سليانة الشمالية و برقو .
و أوضح الهرمي أن أكبر حريق سجل بمنطقة الشبلة الواقعة بين معتمديتي سليانة الجنوبية وكسرى و أتلف 58.5 هكتار مما استوجب تدخّلا فاق 9 ساعات للسيطرة عليه مع تواصل عملية المراقبة لمدة 5 أيام لتجنب إعادة اندلاعه نظرا لبلوغ درجات الحرارة القصوى خلال هذه الفترة في المقابل سجل أقل حريق في منطقة “عين الديسة ” وبلغت مساحته 4 متر مربع واستوجب إخماده 15 دق .
و اعتبر المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية أن النتائج المسجلة تعود أساسا لحسن الاستعداد لموسم الحرائق حيث تم فتح 42 كم من الطرائد النارية عن طريق المقاولات و 81 كم عن طريق الحظائر فضلا عن صيانة 51 كم من المسالك الغابية عن طريق المقاولات و 181 كم عن طريق الحظائر إضافة إلى تشذيب وتسيير ما يقارب 300 هك من الغابات عن طريق المقاولات و 350 هكتارا عن طريق الحضائر.
و أكد المسؤول أنه تم أيضا تحسيس الأعوان و معيني الغابات بسرعة التدخل و صيانة المعدات اثر كل تدخل إلى جانب إرشاد و تحسيس المواطنين بضرورة تجنب أسباب الحريق و الإبلاغ عنه في الإبان.
وشدد على المجهودات الاستثنائية لأعوان و معيني الغابات رغم قلة الإمكانيات وصعوبة التضاريس و قسوة المناخ لذلك تم تكريمهم خلال فعاليات الاحتفال بعيد الشجرة تشجيعا لهم على حماية الثروة الغابية وحث بقية العاملين في القطاع الغابي على مزيد البذل و العطاء .
و في إطار الاحتفال بعيد الشجرة وافتتاح موسم التشجير 2022/2021 وقع برمجة ألف شجرة خروب عسلية و أصيلة الجهة لما لها من مردودية اقتصادية بمنطقة بو عبد الله أين شهدت في السنوات الفارطة حريقا هائلا حسب قوله.
من جهته , أفاد مصدر أمني (وات) أن الأبحاث المتعلقة بالحرائق لا تزال جارية في انتظار القيام ببقية التساخير الفنية والعلمية لمعرفة الجناة.
و تعد ولاية سليانة 139469 هكتارا من المساحة الغابية أي ما يساوي 30.1 بالمائة من المساحة الجملية للولاية موزعة بين 78500 هكتارا من الصنوبر الحلبي(55 بالمائة ) و46662 هكتارا غابة شعراء و كشريد (33 بالمائة) و17007 هكتارات من نبات الإكليل.