(وات-زوم على الجهات/أميمة العرفاوي) – الوضع في معتمدية حاسي الفريد بولاية القصرين على حاله لم يتغير منذ الاستقلال، تتوجه النساء مع ساعات الفجر الأولى ويوميا لجبل السلوم وجبل الزيتون ليبحثن عن سدّ رمق عائلاتهن بـ”سمروج” (حزمة) حلفاء ويحاربن فقرا يثقل عمرهن وإرهابا سكن الجبال.
سميت المنطقة بحاسي الفريد نسبة إلى جنرال فرنسي سابق يدعى “ألفرايد” قام بإنشاء عين فيها، وتمسح 65 كم2 جنوب غربي ولاية القصرين، وتتميز بطابع ريفي، حيث يقطن 81.6 بالمائة من سكانها في المناطق الريفية، 70 بالمائة منهم يعملون في القطاع الفلاحي.
عقود من التهميش بمعتمدية حاسي الفريد جعلتها تتصدر معتمديات البلاد في نسبة الفقر لسنوات، وتتذيلها في مؤشرات التنمية، وهاهي اليوم تستقبل ذكرى الاستقلال الـ67 وحالها لم يتغير رغم تعاقب الحكومات، في ظلّ واقع وأوضاع مؤلمة تعجز الكلمات أحيانا عن وصفها وتصبح معها الصورة أبلغ من الكلام.
أرجل صغيرة نحيفة حافية تحمل بعض الخدوش وتعلوها الأتربة تدوس على الحجارة والأشواك ورغم ذلك فالوجوه مستبشرة و الابتسامة لم تفارقها، فقسوة الطبيعة وقسوة الحياة لم تحجب ملامح جمال طبيعي وأخّاذ في وجوه أطفال الريف على غرار آيات وغيرها.
تلاميذ ممن لم ينقطعوا عن الدراسة يضطرون يوميا، في ظلّ غياب وسائل النقل، إلى قطع كيلومترات على أرجلهم النحيلة ذهابا وإيابا إلى المدرسة الابتدائية، تحت الأمطار ووسط الوحل شتاء، وفي القرّ ووسط الأتربة والغبار صيفا، علاوة على خطر الكلاب الضالة التي تهاجمهم في أحيان كثيرة.
أمّا البنية التحتية التحتية في المنطقة فشبه منعدمة، لم يتم التدخل لصيانتها أو تهيئتها منذ الاستقلال، حتى قطرات الماء التي كانت بالأمس بالكاد تصل إلى الأهالي، انقطعت اليوم عن أغلبهم، بسبب تدني المنسوب المائي بالعيون غير المهيئة والبعيدة عن المنطقة.
هنا تنعدم جلّ المرافق ما عدا صيدلية وحيدة ووحدة صحية يتيمة ومكتب بريد واحد تتزاحم أمامه طوابير طويلة للظفر ببعض الدنانير من منحة العائلات المعوزة، فيما تنعدم بقية المرافق الضرورية وتنعدم معها الحياة بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الرقمنة ووسائل التواصل الإجتماعي.
لم يشفع شغف وحب أبناء المنطقة الكبير للفلاحة في جلب انتباه المسؤولين للأخذ بيد شبابها ودعمهم من أجل المبادرة وبعث المشاريع وتوفير المقومات الأساسية لتحويل حاسي الفريد إلى قطب فلاحي واعد رغم الزيارات العديدة للمشاركين في الحملات الانتخابية ووعودهم المبشّرة، فاليوم وبعد مرور السنوات والعشرات من المترشحين على المنطقة لم ينجز شيء من شأنه أن يخفف عن الأهالي وطأة الفقر وصعوبة الحياة ويفك عزلتهم.
لم توار المعاناة وداعة وشهامة متأصلة في سكان الجبل… هؤلاء الأطفال والأهالي هبّوا لاستقبال فريق وكالة تونس إفريقيا للأنباء للتعبير عن معاناتهم و لإيصال صوتهم على أمل أن تلتفت إليهم السلط المركزية قبل فوات الأوان.
ففي منطقة أولاد الأخضر التابعة لمعتمدية حاسي الفريد والتي تتلخص فيها أبرز مطالب بقية العمادات الأخرى، تنعدم مقوّمات الحياة وأبسط المرافق الأساسية، إلى درجة غياب الصرف الصحي وعدم توفر وحدات صحية في أغلب المنازل، كما يعجز الأهالي في أحيان كثيرة عن توفير رغيف خبز يسدّ جوعهم ويتخذون من بعض الكراسي المهترئة والمكسرة مقهى للترفيه عن أنفسهم.
تؤكد بيّة الذيبي (50 سنة) لصحفية وكالة تونس إفريقيا للأنباء أن “سمروج الحلفاء” يمثّل مصدر رزق متساكني المنطقة الوحيد، حيث تتوجّه النساء منذ الثالثة فجرا للجبال ويقضين فيها 12 ساعة من أجل جمع حزمة حلفاء يبعنها في ما بعد لمربي الأبقار مقابل 15 دينار يقتنين بها أبسط متطلبات عائلاتهن اليومية، كما تتزوّد العائلات بالمياه الصالحة للشرب عن طريق الصهاريج مقابل 30 دينار للصهريج الواحد بما يمثّل عبئا إضافيا على ميزانياتها الضعيفة والهشّة.
. وذكر وليد الذيبي (40 سنة) أن المنطقة تضم 30 عائلة ورغم ذلك فهي تفتقر لحافلة مدرسية تنقل التلاميذ للمؤسسات التربوية مما أجبر عددا كبيرا منهم للانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة والتوجّه لجمع الحلفاء لتوفير قوت عائلاتهم، داعيا رئيس الجمهورية لزيارة منطقتهم والتفاعل مع مطالبهم وتهيئة المسالك الريفية لفك عزلتهم.
من جهته، طالب علي بن محمد الخضراوي (51 سنة) وهو من متساكني قرية “بوجمعة السايح الدخلة”، بتهيئة طرقات عمادة الكامور وتجديد أسطول الحافلات المهترئ، وتوفير الماء الصالح للشرب خاصة بالمؤسسات التربوية.
وأجمع عدد من متساكني حاسي الفريد، في تصريحات متطابقة لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أنهم يتزودون بالماء الصالح للشرب عن طريق الصهاريج منذ سنة 2010، وأغلب المسالك الفلاحية مهترئة والحافلات منعدمة وان وجدت فحالتها مزرية، مطالبين بتشجيعهم على استغلال الثروات الفلاحية لتوفير قوت يومهم وتوفير الأعلاف وتحسين الطرقات.
من جانبه، قال الناشط بالمجتمع المدني، منذر عبد الله الحاجي، إن “منطقة حاسي الفريد بمختلف عماداتها تعاني من التهميش والفقر رغم احتوائها على موارد مائية وثروات فلاحية هامّة والتي لم تثمن سواء قبل الثورة أو بعدها، إلى درجة أن المتساكنين يضطرون إلى شرب ماء الغدير ولا يملكون أبسط المرافق الضرورية بما في ذلك الماء الصالح للشرب والبنية التحتية وتغطية الاتصالات، بما يؤكد أن حاسي الفريد تنتمي للبلاد التونسية جغرافيا فقط.
واستنكر الحاجي سياسة اللامبالاة التي تتبعها السلط المحلية والجهوية في التعامل مع هذه المنطقة التي ظلّت مهمشة طيلة عقود، داعيا السلط المركزية ورئيس الجمهورية إلى زيارة منطقة حاسي الفريد والاطلاع على واقع أهاليها، وتوفير سيارة لنقل أصحاب الأمراض المزمنة للعلاج .
من جهته أكد معتمد حاسي الفريد، بوزيد السعيدي، أن أغلب سكان حاسي الفريد يقطنون المناطق الريفية وجلّهم يعملون في القطاع الفلاحي بما يحيل على ارتكاز النشاط الاقتصادي بالجهة أساسا على الفلاحة وارتباط التنمية فيها بالموارد المائي، ويعكس ضعف الأنشطة الأخرى غير الفلاحية.
كما تتميز المنطقة بأغلب الأنشطة الفلاحية بما في ذلك تربية الماشية وغراسة الزياتين، الا أنها تشكو من عدة اشكاليات من أبرزها الانقطاعات المتكرّرة للماء نظرا للضعف الشبكة والربط العشوائي للآبار العميقة (ألف بئر).
من جهة أخرى، يغلب على ملكية الأراضي الفلاحية طابع التشتت وصغر حجم المستغلات، حيث أن 62.2 بالمائة من المستغلين لا تتعدى مساحة مستغلاتهم 10 هكتارات، فيما تمثل الأراضي الاشتراكية حوالي 71.6 بالمائة من المساحة الجملية للمعتمدية، وفق ذات المصدر.
وذكر أن معتمدية حاسي الفريد التي تضمّ عمادات السلوم، وخنقة الجازية، والهشيم، والكامور، وحاسي الفريد، والكامور، تسجّل أضعف المؤشرات التنموية وطنيا، ففيها أعلى نسب أمية بأكثر من 33 بالمائة، إلى جانب الفقر والانقطاع المدرسي المبكر والبطالة بأكثر من 32 بالمائة، بالإضافة إلى ضعف أسطول النقل المدرسي وتعطّله أسبوعيا، وغياب المسالك الفلاحية وعدم صيانة وتعبيد الطرقات، مقترحا، في هذا الصدد، حفر آبار عميقة وبعث مشاريع اقتصادية لتجاوز نسب الفقر المرتفعة وتحسين واقع التنمية بالمنطقة التي تضمّ 21109 ساكنا حسب إحصائيات التعداد السكاني لسنة 2021.
ومن أرض الحلفاء تزهر آمال متساكني حاسي الفريد بمستقبل واعد ويعيشون قيد حلم بواقع أفضل على أرض وديعة سخيّة.