حصلت تونس، في اواخر النصف الاول من العام الحالي على مصادقات تمويل واقراض جد مهمة من ثلاث جهات خارجية كبرى هي البنك الافريقي للتصدير والاستيراد (800 مليون دولار) تصرف على شريحتين والبنك الدولي (150 مليون دولار) والاتحاد الاوروبي (650 مليون اورو). وتم الاتفاق آنذاك على توجيه مجمل هذه القروض لدعم الميزانية العامة للدولة وهو ما يعني مجابهة مصاريف تسديد القروض الخارجية السابقة المتخلدة بذمة البلاد وخلاص الاجور ومصاريف الإدارة والدعم وخاصة تمويل عدد من البنوك لإنفاذها من الانهيار.
واقتصر صرف اقساط القروض منذ ذلك التاريخ على قسط واحد ، اذ اعلن الاتحاد الاوروبي على موقعه الالكتروني يوم 25 جوان 2019 انه صرف لتونس قسط قرض تحت بند “التمويل المباشر لميزانية الدولة التونسية” بقيمة تعادل 150 مليون اورو (490 مليون دينار) لمعالجة عجز التوازنات العامة للمالية العمومية، وذلك في اطار منح البلاد ثلاث شرائح قروض للغرض نفسه صادق عليها البرلمان الاوروبي، بشكل مبدئي، في اجتماع مجلسه المنعقد منذ 6 جويلية 2016.
واكد “بيار موسكوفيتشي” المفوّض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والماليّة والضريبة والقمارق، في هذا الاطار، ان صرف بقية شرائح القرض المقدرة بـ500 مليون اورو لتونس مرتبط بنجاح البلاد وطموحها، في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لمواصلة تمويلها في سياق اتخاذ السلط الحكومية التونسية الاجراءات الملائمة لدعم نسبة النمو وانعاش الاقتصاد مما يحفز الاتحاد الاوروبي لمزيد بذل الجهد لترسيخ هذا المسار.
وعموما ووفق ما تم الاعلان عنه، فان الاتحاد الاوروبي وضع على ذمة تونس تمويلات مباشرة للميزانية بمعنى الدعم المالي الكلي لمعالجة عجز الميزانية بما قدره 10 مليارات اورو أي ما يعادل 32 مليار دينار وهو ما يعد تمويلا تاريخيا، بكافة المعايير. غير انه ومنذ ذلك التاريخ لم تفصح السلط المالية التونسية وكذلك البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد والبنك الدولي والاتحاد الاوروبي عن صرف الاقساط التي جرى التعهد بها والتي تبلغ قرابة مليار اورو، اذ ان شريحة القرض الاولى التي كان البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد يعتزم اسنادها لتونس لتمويل القطاع البنكي قد عوضتها اتفاقية وقعت يوم 17 ديسمبر الجاري مع البنك الافريقي للتنمية بقيمة 238 مليون اورو (750 مليون دينار) واخرى من الجانب الالماني بنحو 100 مليون اورو (320 مليون دينار) لإنقاذ بنك الاسكان والشركة التونسية للكهرباء والغاز وبنك المؤسسات الصغرى والمتوسطة من الانهيار – مع “هيكلة” ديوان البريد – بعد تسجيلهما ثغرة مالية تناهز 6 مليارات دينار، وفق القائمات المالية الصادرة عن المؤسسات المذكورة.
كما عبر الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي مؤخرا وفي ذات السياق، عن امتعاضهما بشكل صريح، من عجز الحكومة عن تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي عبرت عن قدرتها لتجسيمها رغم صرفهما للبلاد قروض طائلة، على هذا الصعيد. وقد اثارت هذه التصريحات استغراب العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي الوطني لطابعها المفاجئ، من ناحية وللتأكيد المتواصل للمؤسستين الماليتين لدعم المسار الانتقالي نحو الديمقراطية في تونس أيا كان الثمن وفي جميع الظروف، من ناحية اخرى.
ولكنه من الواضح ان قرارات المؤسسات المالية الدولية هي محكمة الدرس خصوصا انها تزامنت مع بلوغ التهريج وانعدام الكفاءة وارتخاء مؤسسات الدولة مداه الاقصى في تاريخ البلاد فضلا عن بروز لفيف ممن افرزتهم الانتخابات يمتلكون نظرة للاقتصاد هي بإجماع المراقبين في غاية السخافة والعدمية.
الشارع المغاربي