تقرير: الأسر التونسية تغرق في القروض البنكية بمعدل تداين يُعادل شهريا أجرة ورُبعا

بعد إقرار البنك المركزي تعليق سداد أقساط القروض لفائدة بعض أصناف الحرفاء من الأفراد في شهر مارس الفارط لفترة تتراوح بين ثلاث وست أشهر تبعا لتداعيات الجائحة الصحية، لوحظ في المدة الأخيرة تسجيل ارتفاع كبير لقائم هذه القروض وذلك في ظل ظروف معيشية قاسية باعتبار موجات الغلاء المتتالية التي مست أسعار عدة منتجات حياتية مما تسبب في دخول الأسر التونسية في دوامة اقتراض بنكي كبرى.

وتشير المعطيات الصادرة عن البنك المركزي التونسي، في هذا الإطار، الى بلوغ قائم القروض الممنوحة للأفراد من طرف البنوك إلى حدود شهر سبتمبر 2020، ما قدره 24943 مليون دينار مسجلة بذلك زيادة قيمتها 890 مليون دينار بنسبة 7.3% منذ بداية العام الحالي.

غير أن مسار تطور قروض الافراد يبرز، حسب الاحصائيات المالية تراجعا من عام الى اخر، حيث ازداد قائم هذه القروض بـ 10.6% سنة 2017، و5.4% سنة 2018، و0.3% خلال سنة 2019 ويرجح هذا الانخفاض أساسا الى تواصل ارتفاع نسب الفوائد والعمولات التي تعتمدها البنوك والمؤسسات المالية (12 – 15%)، وعدم قدرة عديد الأفراد على مزيد الاقتراض لبلوغهم السقف المسموح به على هذا المستوى (40% من الدخل الشهري الخام)، بالإضافة إلى السياسة الصارمة المعتمدة من طرف البنك المركزي التونسي تجاه القروض الاستهلاكية.

في جانب اخر، بلغت قروض الافراد 24.9 مليار دينار في آخر سبتمبر الفارط أي ما يعادل ثلث إجمالي القروض البنكية حسب معطيات “مركزية المخاطر” بالبنك المركزي التونسي لتشمل تقريبا 900 ألف أسرة تونسية، وتنفق معظم “الديون البنكية” للأسر التونسية على اقتناء المستلزمات الحياتية بنسبة الثّلثين، فيما يصرف ما يتبقّى على وسائل النّقل والسكن.

وإضافة إلى هذا الشكل من التداين، تبيّن الإحصاءات لجوء التونسيين بكثافة إلى القروض المباشرة للمزوّدين من تجّار ومساحات كبرى حيث اوضحت دراسات عديدة أن 80 % من حرفاء المزودين المذكورين يلجؤون إلى الدفع بالتقسيط عند اقتناء طلباتهم فضلا عن التّسبقات البنكية والمعروفة أكثر بـ “الروج” التي تناهز 620 مليون دينار مّما يجعل من كل حريف بنكي من صنف الأفراد مدينا، تقريبا، بمعدل أجرة شهر وربع الشهر.

ويقدّر بعض الخبراء مديونية التونسيين حاليّا للبنوك بنسبة 40% وهو مؤشر مرتفع يتجاوز المعايير المعتمدة مما يتسبب في انعكاسات سلبية على التوازنات الاقتصادية عموما ولكن الوضعية ينجر عنها تحقيق البنوك أرباحا طائلة وصلت العام الفارط إلى 1100 مليون دينار.

كما يؤكّد المتابعون للشأن المالي الوطني أنّ نسبة الادّخار لدى الأسر والأفراد استقرت خلال السنوات الأخيرة في حدود 12% وان كلفة العقارات التي تستهلك القروض الممنوحة لاقتنائها ارتفعت بـ 40% من مداخيل السّكان النّشطين.

ويكشف أهل الاختصاص أنّ قيمة القروض الممنوحة للحرفاء تجاوزت بمرات عديدة قيمة الأموال الذاتية للبنوك وان مؤشّر تحويل الودائع إلى قروض ناهز تقريبا 94% الأمر الذي أدى، إلى ضغط متواصل على السيولة النقدية.

أما على مستوى تداعيات قروض الاستهلاك على الدورة الاقتصادية فإن المسألة تطرح ثلاث إشكاليات يمكن من خلالها مناقشة ظاهرة التطور القياسي لهذه النوعية من القروض اذ أن الأمر ينعكس أولا على مستقبل القدرة الشرائية للعائلات التونسية في مواجهة الاستدانة المفرطة من أجل الاستهلاك، ثم تهم الوضعية ثانيا المؤسسات المقرضة واتساع نطاق التنافس على هذا القطاع كما أن الظاهرة تشمل ثالثا انعكاس القروض الاستهلاكية ككل على الاقتصاد الوطني.

فبالنسبة للمستوى الأول تشكل وفرة القروض الاستهلاكية وسهولة الحصول عليها معوضا للأسر على جمود وضعف مداخلها لكنها تشكل في نفس الوقت مأزقا مستقبليا للقدرة الشرائية لهذه الأسر والتي تتقلص بشكل كبير وتعدم قدرتها على الادخار وتقلص نطاق استهلاكها، نظرا لتراكم الديون وتآكل المداخيل بفعل الاقتطاعات.

أما بالنسبة للمستوى الثاني، فإن مؤسسات القرض تحقق أرباحا كبرى جراء هذه القروض حيث تجد البنوك في هذا القطاع مجالا لتوظيف رؤوس الأموال المتراكمة لديها إلى جانب اقراض الدولة مقابل تراجع اقراض المستثمرين من مؤسسات ومهنيين. ثم إن حدة تراكم الأرباح والسيولة لديها نتيجة الإقراض تجعل جزءا من اموالها الذاتية لا تجد مجالا للتوظيف مما يدفع تحت ضغط التنافس على توظيف هذه الأموال إلى تأثيرات واضحة على صعيد نسبة الفوائد وتوفير السيولة والاقتراضات الاستهلاكية بشكل أكبر.

وتوظف البنوك منذ مدة جزءا من الأموال الذاتية الفائضة في مجال المضاربات في سوق رقاع الخزينة وما شابهها من عمليات لسد عجز ميزانية الدولة حيث تصبح المضاربة ضرورية للحفاظ على عائدات أعلى من الأرباح، على حساب الرأسمال الانتاجي، ثم إن تراجع ادخار العائلات وتآكل قدرتها الشرائية يقود الى انحدار تصاعدي للدورة الاقتصادية في اتجاه اشتداد الأزمات المالية والاقتصادية.

ومن هنا، فانه يمكن التأكيد على الأفق المحدود لتوسع القروض الاستهلاكية سيما في ظل الازمة المالية الحالية التي تعصف بالاقتصاد الوطني باعتبار انها تؤدي إلى إعادة توزيع الثروات من الأسفل إلى الأعلى، مما يفاقم الأزمة ويجعلها شاملة.

وعلى هذا الأساس فالنتيجة هي أنه بدلا من أن تشجع هذه القروض على الاستهلاك وتحريك الدورة الاقتصادية والتي تتحقق فقط لفترة قصيرة جدا فإن الاستدانة المفرطة للعائلات على المدى الطويل تقلص قدرتها على الاستهلاك مما يتسبب في أزمة فائض الإنتاج ويحدث الكساد.

الشارع المغاربي

Related posts

63 % نسبة التلاميذ المورّطين في العنف المدرسي و1% للأستاذ

مقرين: وفاة تلميذ طعنا أمام أحد المعاهد الثانوية

الاحتفاظ بكهل بشبهة قتل زوجته وابنته طعنا بالسكين