يحمل شهر رمضان مكانة كبيرة في قلوب التونسيين مهما كانت ظروفهم النفسية او حتى الاجتماعية.
ففي هذه المناسبة ورغم ما شهده العالم عامة وتونس خاصة من تداعيات انتشار فيروس كورونا ، جل المآسي تنسى وتتزين ليالي رمضان بالموشحات الدينية، وتنتصب موائده عامرة بما لذ وطاب من أكلات تقليدية كالبريك والطواجن و”الزلابيا” و”المخارق”.
فجل أفراد العائلة يشاركون في صنع أطباق متنوعة ورسم بسمات أمل بشتى فئاتهم العمرية ورغم توجهاتهم الايديولوجية ..مشهد يتكرر في أرجاء بيوت هذا البلد وحتى في السجون التونسية.
السجن المدني بسليانة مثلا …في الظاهر هو المكان المغلق المنعزل عن المجتمع، مكان سلب الحريات و أداة للعقاب و مدمر الإنسان… ولكن في الباطن هو عالم يثير فيك الفضول حتى تكتشفه و تتعرف على طياته ونمط العيش فيه خاصة في شهر الصيام .
الكثيرون يعتقد أن الايام تمر على وتيرة واحدة ، نوم بآخر الليل و طرف من النهار وحياة لا جديد فيها.
عالم داخلي وروايات مختلفة خلف كل زنزانة وعبر لا تحصى ولا تعد.
هنا الحياة عادية لا وبل أفضل من عادية فجل النزلاء يعيشون في أريحية تامة و في أجواء تمتزج بين الألفة والمحبة رغم إصابات عديدة بكوفيد19 في عدد من الولايات وخارج أسوار السجون من خلال ماعاينته صحفية (وات) بالجهة.
ينعتون بأصحاب السوابق و يخافهم الصغير والكبير ولكن بمصافحتك لهم لأول مرة تتفاجأ بردة فعلهم، فجل السجناء بدت عليهم مظاهر الحياء والطمأنينة ..نعم هؤلاء الذين يقضون عقوبتهم لسنين رفضوا في البداية التجاوب معنا وحتى النظر في أعيننا
وبعد محاولات عديدة، كشفوا عن واقعهم “الجميل” بالرغم من اختلافاتهم ..جمعتهم الأقدار و جدران زنزانتهم او كما يسمونها بيوتهم الآمنة.
ففي الغرفة رقم 1 (كما اطلقنا عليها) يتجاذب كل من علي ومحمد(اسمان مستعاران) أطراف الحديث عن المدة الزمنية المتبقية لأحد منهما وكأنهما يشجعان بعضهما البعض لنسيان المدة المتبقية، فيما يدندن نزار(اسم مستعار) بعض المقاطع الغنائية عن الغربة فربما هو في غربة رغم وجوده ببلده تونس وربما هذه الأهازيج الغنائية يعبر بها عن استقباله لزائر جديد خاصة أن أفراد عائلته أي أصدقائه من هذه الزنزانة يجيبونه بتصفيق متعالي.
هذه الأجواء تتكرر في كل زنزانة ، في الأيام العادية وحتى في شهر الصيام فهكذا يستقبلون يومهم ويودعونه وقبل أية وجبة، فالكل يتسارع لاعداد طاولة افطاره احسن استعداد خاصة ان جل المأكولات متوفرة.
أما في الغرفة الثانية فتجد مصباح (اسم مستعار) وسفيان(اسم مستعار)يضيعان وقت فراغهما بلعبة ‘داما’ ، وفي خضم هذه اللعبة يتغنى مصباح بالأوجاع و الإحزان حتى يخبرنا أنه رغم الأجواء الممتازة فداخله وجع لايستطيع الإفصاح عنه.
كسائر البيوت التونسية، تتنوع الانشطة وتتعدد قبل موعد الانفطار فيما تتشارك مع أذان المغرب ليذهب الضمأ و تبتل العروق و تتشارك أيضا بعد دقائق قليلة ليجتمع هؤلاء الاشخاص على شاشات التلفاز في كل زنزانة حسب رأي الأغلبية ..نعم تتجسد الديمقراطية أيضا هنا وخلف القضبان.
حدثنا، مصطفى (اسم مستعار) ان أغلب السجناء صائمين (باستثناء الحالات المرضية) فيقضون وقتهم بين المطالعة والرياضة و الألعاب الفكرية.
أما عن وجبة أول ايام الصيام، قال مصطفى ” ان مدير السجن قام اليوم باستشارة جل السجناء عن شهواتهم لتوفيرها كما يفعل رب البيت بفلذات اكباده”، مؤكدا ان كل طلباتهم توفرت.
وأضاف انه بالرغم من إقامته بعدد كبير من الوحدات السجنية الا انه تفاجأ بانه يوجد في سجن سليانة الة لتسخين الاكل و ثلاجة، مشددا ان كل الظروف الحياتية ملائمة و الاكلة تتنوع وحتى ادراة السجن تتصل بعائلاتهم حسب رغبتهم خاصة في ازمة الكورونا وفي فترة الحجر الصحي.
وقال مصطفى “لم أشعر أنى سجين فجل الطلبات متوفرة”
أما عن حسام (اسم مستعار) فأكثر الاشياء التي اثلجت صدره في ظل انتشار الوباء خوف اطارات وأعوان السجن على السجناء ، موضحا أن مدير السجن يرفض مصافحته خوفا عليه كي لا ينقل له العدوى من الخارج.
وبين حسام انه أحس بخطورة هذا المرض لحظة توجهه الى المستشفى للعلاج أين لاحظ حملات التعقيم ليطمئن باله حال عودته الى السجن” شعرت بأن الموت في الأرجاء ..شعرت بالراحة عندما عدت الى السجن”.
وفسر مروان (اسم مستعار) رئيس الغرفة وهو المكلف بحفظ نظام الغرفة “كبران” أن مايدار في الغرفة شبيه بالعائلة وخصوصياتها ، فيتقاسم السجناء الأفراح و المسرات و الاحزان، مؤكدا انه لا يمكن الحديث عن الكورونا الا خارج السجن فهنا الظروف عادية و الكوفيد 19 هو مجرد نكتة في غرف السجن ، حسب تعبيره
من جهته، أفاد مدير السجن المدني بسليانة العميد بديس الجليدي (وات) بأنه تم توفير مسلتزمات الوقاية لكل السجناء ولكل الاعوان و الاطارات لحماية الجميع.
وكشف الجليدي انه بالرغم من ازمة كوفيد 19 الا ان السجناء شاركوا في إعداد وجبة الافطار وتحضيرها فيما سعت ادارة السجن الى توفير بعض عادات شهر الصيام مثل “الزلابيا و المخارق و المقروض’ وتوفير وجبة السحور.
وبخصوص علاقته بالسجناء، قال الجليدي” انها علاقة أبوية كما يتعامل الاب مع أولاده”.
وشدد المسؤول انه لم يتم تسجيل أية اصابة بهذا الوباء في جل الوحدات السجنية بما في ذلك سجن سليانة
وتمر الأيام والأشهر والسنوات وتتغير الفصول فيما لا تزال هنا الحياة جد عادية وكل المستلزمات متوفرة ولكن لا يزال هؤلاء ينتظرون بصيص امل او عفو تشريعي ليكملوا ما تبقى من حياتهم رفقة عائلاتهم.
يذكر أن السجن المدني بسليانة منح في ماي2019 لسجين فرصة حضور مراسم ختان إبنه خارج أسوار السجن وهي المبادرة الأولى من نوعها في تاريخ السجون التونسية
وات/ تحرير أميمة العرفاوى