يبس الزرْع وجفت العيون وغابت جميع مظاهر فصل الربيع، بما في ذلك شقائق النعمان والأقحوان التي كانت تتزين بها حقول ولاية سليانة أو “سيسيليا” كما يطلق عليها ، شبح الجفاف انتشر هنا وهناك في كامل ربوع الولاية، حقول تم تعشيبها فأطلقت عليها المواشي والأبقار، واراضي تم حرثها لكن نضبت السدود وتراجع منسوبها فتشققت ويبست.
صورة ارتسمت على إحدى ولايات الشمال الغربي، بسبب انحباس الأمطار، فصارت جرداء قاحلة شمالا وجنوبا، مشهد مأساوي تعجز الكلمات عن وصفه وتعجز حتى الصورة عن تبيلغ حجم الأضرار التي لحقت بمزارع القمح والشعير وغيرها من الأراضي المزروعة
وقْعُ الاعلان على أن الجهة “مجاحة” بنسبة 100 بالمائة، كان بمثابة الاعلان عن حالة وفاة في 11 معتمدية و86 عمادة بسليانة، ، فخيّم الحزن وتخالك في موكب عزاء، لوعة وحسرة كبيرة في صفوف الفلاحين الذين اصبحوا عاجزين عن التعبير عن مشاعر اللوعة فالزموا الصمت من هول الصدمة حتى ان عددا منهم استسلم للبكاء امام عجز اللسان عن الكلام.
ففي منطقة سيدي الباهي من معتمدية سليانة الشمالية، استهل الشيخ الثمانيني الصادق المديوني حديثه بمثل شعبي لعله يلخص حالة الجفاف بالجهة “يمشي زمان ويجي زمان تنشح المعالم المعلومة ويطلع الماء من الأرض المسدومة وعام ريح و أرياح ومنه تهواه النزوح كل حد ما عليه بروحه”، وقال بحزن باطني لصحفية “وات” أنه لم يلمح هذه الحالة طيلة عمره فالزرع لم ينبت، يلتفت في صمت لعدم قدرته على التعبير عن الوضع، ويشير الى ابقاره التى اضحت نحيفة لغياب الأعلاف وعدم توفر الغطاء النباتي
من جهته، قال أحد الفلاحين (عبد السلام ضيف الله، 58 سنة) وهو يسوق قطيع اغنامه من منطقة إلى أخرى، لعله يظفر بقوتهم، انه يتعاطى النشاط الفلاحي منذ نعومة أظافره، لكنه لم يشهد سابقا موسما فلاحيا صعبا كالذي تشهده الجهة خلال السنة الجارية ، لافتا الى نفوق عدد من المواشي، خاصة وان الفلاحين يعانون من النقص الفادح في الأعلاف سواء المدعمة أو المركبة وتراكم الديون، متمنيا أن لا يتكرر مثل هذا الموسم
ناشد ضيف الله السلط المعنية، بسحب صندوق الاجاحة على جميع الفلاحين وإيجاد حلول عاجلة في أقرب الآجال، خاصة وان عددا من الفلاحين فرطوا في مساحات مزورعة للرعي وللعشابة، إلى جانب قيامهم بحراثة بعض القطع التي لم تتم فيها عملية الإنبات.
من جانبه، وصف رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري مروان الداودي موسم الزراعات الكبرى الحالي “بالموسم الاستثنائي” الذي “لم تعرفه الجهة بتاتا ” قائلا أنه “لأول مرة لن يتم تشغيل آلة حصاد”، وأكد أن نسبة الاجاحة بلغت 100 بالمائة وأن منظومة تربية الماشية اندثرت بسبب النقص الفادح في الأعلاف والطلبات المتزايدة نظرا لانحباس الأمطار وحالة الجفاف التي تسود الجهة وغياب الغطاء النباتي، ووصف الوضع بالجهة بال”كارثي” في انتظار صدور قرارات عاجلة و حلول استثنائية من قبل سلطة الإشراف خاصة مع غياب تام لبذور الموسم القادم
وبين المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية بولاية سليانة منصف الهرمي، أن الموسم الفلاحي الحالي شهد صعوبات منذ بدايته بعد تواصل الجفاف لأكثر منذ 3 سنوات، ورغم ذلك برمج الفلاحون الزراعات الكبرى منذ بداية الموسم، حيث بلغت المساحات المزروعة في حدود 160 ألف هكتار ( قمح صلب وقمح لين و شعير) و 35 ألف هكتار من الأعلاف، وابرز أن غياب التساقطات أثر على النمو والإنبات بشكل عام، حيث أن 50 بالمائة من الاراضي لم تنبت بتاتا، فيما أنبتت البقية بعض الأوراق وجفت نظرا لانحباس الأمطار في أشهر جانفي وفيفري ومارس وارتفاع درجات الحرارة.
وأكد الهرمي أن أكثر من 99 بالمائة من المساحات المزروعة تضررت، وهو مايفسر غياب موسم الحصاد بالجهة، وان انحباس الأمطار للموسم الثالث على التوالي، أثر سلبا على المخزون المائي بالسدود الكبرى والبحيرات، حيث يعتبر مخزون المياه بسد سليانة “ضعيف جدا” وتدني المخزون بسد الأخماس إلى أقل من 35 بالمائة و5 بالمائة في سد الرميل
وأضاف أن أكثر من 80 بحيرة مسدومة (مخزونها المائي به تربة وباتت خالية من المياه) وأن مايقارب 72 بحيرة لا يتجاوز مخزونها 25 بالمائة وحوالي 44 سدا جبليا أغلبها جفت ماعدى سد الشرفي بمعتمدية برقو وسد الكرمة والسماطي بمعتمدية الروحية (مخزون ضئيل)، ولفت إلى أن الجهة تعد 125 بحيرة جبلية موزعة إلى بحيرات للاستغلال الفلاحي على الأراضي المجاورة وبحيرات للمحافظة على الماء والتربة وبحيرات تبنى لتغذية المائدة الجوفية.
و أشار الهرمي إلى أن الموسم الفلاحي “صعب” خاصة على قطاع تربية الماشية، في ظل غياب الأعلاف الخشنة مقابل الضغط الكبير على الأعلاف المركبة، واقترح جملة من الحلول للمحافظة على القطيع كأولوية قصوى، وذلك عبر توفير الأعلاف وإدراج ولاية سليانة خلال الموسم الجاري على غرار مناطق الوسط والجنوب التي تتمتع بدعم في الأعلاف المدعمة على غرار الشعير و التبن
وقال أن السلط المعنية تسعى لإيجاد حلول من خلال تمكين الشركات ومراكز تجميع الحليب لدفع المبادرات الخاصة لتوريد الشعير ومعاضدة مجهودات الدولة، و دعا إلى ترشيد الماء الصالح للشرب والحد من ضياعه سواء عن طريق المجامع المائية أو شبكة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه ومنع استعمال مياه الشرب في الري
من جهته، اقترح والي سليانة وليد العباسي جملة من الحلول، بعد ان صنفت الولاية “مجاحة كليا”، من بينها تفعيل صندوق الجوائح وتحرير القطاع بتسهيل عملية الاستيراد لتعديل السوق وتكثيف المراقبة الاقتصادية على محتكري قطاع الأعلاف والقطاعات الأخرى إلى جانب إنقاذ القطيع من عمليات الاندثار والتهريب
ولوح إلى استحثاث نسق انجاز السدود المعطلة (سد وادي وزافة وتاسة والمنطقة السقوية على وادي أركو) وتفعيل دور مراكز البحث العلمي في القطاع الفلاحي لخلق المعادلة الغذائية الفلاحية أساسا إلى جانب تفعيل دور المركز الوطني للدراسات الإستراتيجية في علاقة بالأزمات المتتالية في القطاع الفلاحي واستعمال مياه المعالجة كحل للزراعات العلفية.
أميمة العرفاوي/وات