ليس ببعيد عن مدينة سليانة، وتحديدا على بعد حوالي 9 كيلومترات فحسب منها وعلى تخوم جبل “مسوج”، تتربع منطقة “جامة”، وتسميتها التاريخية “زاما”، الموقع الأثري الذي شهد قبل أزيد من ألفي عام (202 قبل ميلاد المسيح) “معركة زاما” الشهيرة، التي انهزم فيها القائد حنبعل
إنها المكان الذي شهد الفصل الأخير لملحمة القائد القرطاجني حنبعل، والذي ظل لسن عدة محل خلاف بين العلماء والمؤرخين حول تسميته الحقيقية، فمنهم من أكد أن “زاما” ليست سوى مدينة “جامة” الأثرية الحالية، ومنهم من اعتبر أن المكان الذي شهد المعركة (جامة راهنا)، يسمى في الحقيقة منطقة “السبعة أبيار”
غير أن رمزية المكان العالية في تاريخ الحضارة القرطاجنية وفي ذاكرة الصراع بين قرطاجة وروما، والتي تجعل منه محطة جذب للباحثين والدارسين، وأيضا الزوار التونسيين الأجانب، لاستحضار صفحات من ذاك الصراع الذي طبع لقرون عدة البحر الأبيض المتوسط، لم تحظ بحسن التوظيف أثريا وسياحيا وثقافيا، عبر تكثيف الحفريات لكشف المزيد من الشواهد على الكنوز التاريخية التي تحويها أرضها، ومن هناك إدراجها ضمن مسلك سياحي وثقافي قد يغير ولو قليلا واقع الجمود والتهميش الذي تعانيه المنطقة وأهلها
وبخصوص جهود كشف ما يحويه هذا المعلم الأثري من معالم مدفونة تحت الأرض، أفاد المستشار بالمعهد الوطني للتراث، منير الطرشاني، بأن الحفريات في موقع جامة انطلقت منذ سنة 1995 وتواصلت إلى غاية سنة 2011، لتتوقف بعد أن أحيل الباحث المشرف على التنقيب في الموقع على التقاعد
ولفت المتحدث إلى أن تسميات المكان تعددت وتنوعت، إلى أن تم العثور بين سنتي 2002 و2003 على نقيشة تفيد بأن الموقع الأثري يسمى “زاما ريجا”، موضحا أن معنى كلمة “زاما” لا يزال مجهولا، فيما ترجح كلمة “ريجا” المقرونة باسم “زاما” أن الموقع تابع لنفوذ أحد الملوك النوميديين الذي جعل من “زاما” عاصمة المقاطعة. وأضاف الطرشاني أنه، وبخلاف التحقق من أن المنطقة كانت تاريخيا وفي…..
اعتبارا لأهمية هذا الموقع الأثري، تم سنة 1996 إنشاء “جمعية صيانة الموقع الأثري بجامة”، لتتولى هذه الجمعية العناية بهذا الموقع وتوفير مستلزمات الإقامة لفريق البحث، حسب إفادة خالد العبيدي، عضو الجمعية.
وأشار العبيدي، في تصريح ل”وات”، إلى أن الجمعية نشطت طيلة 15 سنة منذ تأسيسها إلى غاية سنة 2011 التي شهدت تنظيم ندوة كبيرة حول تثمين الأبعاد التاريخية والثقافية للموقع بحضور كل من وزيري السياحة والثقافة آنذاك، لتتوقف إثرها الحفريات، مع تقلص فريق البحث، وعدم رصد الاعتمادات المالية لمواصلة البحث، ومن هناك وأد تطلع الأهالي إلى جعل منطقتهم محطة بارزة في خارطة المواقع الأثرية المثمنة سياحيا وثقافيا، ومن هناك تحويلها إلى فضاء حياة اقتصادية وحرفية نشيطة.
وذكر المتحدث بأن “زاما” هي مملكة نوميدية تتمتع بالحكم الذاتي، وتداولت عليها عديد الحضارات (القرطاجنية والرومانية والبيزنطية والإسلامية)، مما يبرز ثراء وتنوع التراكمات التاريخية التي تطبع هذه المنطقة، التي كانت في حقبتها الأولى عاصمة نوميدية، والتي تنتظر حتى اليوم رصد ما يلزم من جهود علمية وإمكانات مالية لنفض الغبار عن مخزونها.
ويتطلع سكان “جامة” الذين يطلق عليهم البعض تسمية “أبناء حنبعل”، والذين هجر معظمهم المنطقة إلا القليل، اليوم، إلى أن تعمل السلطات الوطنية والجهوية ذات العلاقة على إدراج “زاما” ضمن مسلك سياحي وثقافي، للتعريف بها وطنيا وعالميا، بما ينشط أسباب الحياة في المنطقة ويسهم في خلق مواطن شغل وحركية اقتصادية بها، لا سيما وأن “جامة” قريبة من مركز الولاية التي تتوسط 7 ولايات، هي ولايات زغوان وباجة وجندوبة والكاف والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان، وتربط بين 3 أقاليم اقتصادية، وهي الشمال الغربي والشمال الشرقي والوسط.
كما تحتوي على منابع مياه عذبة وتنبت بها زراعات كروم ذات مذاق متميز لخصوصية تربة المكان.
وات