كتب عبد اللطيف العلوي تدوينة خص بها زميله سيف الدين مخلوف: ما أصعب أن تعيش في بلد يسجن فيه سيف الدّين مخلوف
وكتب العلوي في شان زميله
تلك هي الكتف الّتي أقبّلها!ليس من السّهل، أن تكتب عن سيف الدّين مخلوف، حتّى ولو كنت شاعرا.”سيفون”، كما يحلو لنا أن نسمّيه، كان وسيظلّ حالة سيادة ورجولة وجنون فريدة، لا يمكن أن تحيط بها الكلمات!تجادلنا كثيرا وتخاصمنا كثيرا حتّى علت الأصوات، ربّما لأنّني كنت الوحيد تقريبا الّذي يبصّره بعيوبه، وما أكثرها! مثلما كثّر الله عيوبي.سيف الّذي خلق ليكون قائدا وزعيما استثنائيّا يغزو القلوب والعقول بلا سلاح، سوى تلك النّبرة الصّادقة العجيبة، وتلك الغضبة المنفلتة دائما في الحقّ! سيف الدين مخلوف لو كان في غزّه لكان اسمه محمّد الضّيف!ما أصعب أن تعيش في بلد يسجن فيه سيف الدّين مخلوف، يسجن فيه الصّدق والمروءة والرّجولة والهمّة العالية، ويرتع فيه اللّقطاء والعبيد!لم أره يوما إلاّ لاهثا خلف حلم جديد، رأسه يغلي باستمرار بآلاف الأفكار والمبادرات الّتي تسهّل حياة النّاس، وتضمن كرامتهم، وتؤسّس لدولة القانون. لم أره يوما إلاّ مبتسما وممازحا لإخوته كأنّه لا يعرف الهمّ طريقا إلى حياته، متواضع وخجول حين يخطئ، ولم يكن يعترف أبدا بخطئه، كبرياؤه بلا حدود، لكنّه كان يشعرك بأنّه يعتذر كأبلغ ما يكون الاعتذار، بلا كلام وبلا ملام، تراه كالطّفل الصّغير يتحاشى النّظر في عينيك، يتودّد إليك بلا حساب، يحاول أن يغيّر موضوع النّقاش إذا شعر أنّك توشك أن تحرجه، وأحيانا يغيب عنك أيّاما حتّى ينسيك ما فعل، وحين تراه، تهبّ إليه معانقا وقد نسيت كلّ شيء! سيف الّذي لا يخون ولا يهون، سيف الّذي لا يترك صاحبه حتّى ينصره أو يهلك معه،سيف الّذي لا يردّ مظلوما استنصره ولا يحمل في قلبه ذرّة من حقد لعدوّ أو رفيق غدره!سيف الّذي لا يتعب أبدا، تلك الماكينة الرّهيبة الّتي لا تتوقّف أبدا عن العمل والتّفكير والثٌورة! عاديّ جدّا أن يكون له في نفس اليوم عمل في المجلس وفي المحكمة وفي الوزارة وفي مركز الولاية وفي الميناء وفي المطار ولقاء في التلفزة وفي الإذاعة وزيارة لأحد الموقوفين في السجن أو لاعتصام في أيّ مكان!سيف الّذي ظُلِم كما لم يُظلَمْ في هذه البلاد أحد، غسلوه من كلّ ذنوبه وعيوبه ولطّخوا أنفسهم إلى يوم الدّين! ظلّ يهاتفني بانتظام بعد الاستقالة ليطمئنّ عليّ، كان دائما يبدأ حديثه ب”عرفي”!، فأقول له: ” وهل هناك من يستطيع أن يتكبرن عليك؟ فيردّ: ” لا أستطيع أن أتخيّل الائتلاف بدونك أو الكتلة بدونك!”أردّ بابتسامة مريرة:” لم أعد أصلح لذلك يا أخي، لعلّي أصلح لشيء آخر!’”صديقي، أخي… يا حبيبي الأخيرَ…”شكرا لأنّك أجمل ما فينا، وأصدق ما فينا، وأنبل وأشرف ما فينا، قد لا تجمعنا الأحزاب والسّياسة واليرلمان مرّة أخرى، ولكنّنا بالتّأكيد سنعيش بنفس الحلم، ونموت بنفس الرّصاصة!